مابين ضغوطات الحياة وآثارها على سلطنة النوم

قد يتبادر إلى أذهاننا أننا سنحظى بليالٍ هانئة، مليئة بالنوم المريح، وخاصةً في الأيام التي لا يكون لدينا التزامات هامة تشغلنا، كالعمل أو الدراسة أو غيرها. ولكن في واقع الأمر، قد يكون العكس هو الصحيح بالنسبة لبعض الناس، الذين يعانون من الأرق أو اضطرابات النوم الأخرى خلال تلك الأيام.

مابين ضغوطات الحياة وآثارها على سلطنة النوم


قد يتبادر إلى أذهاننا أننا سنحظى بليالٍ هانئة، مليئة بالنوم المريح، وخاصةً في الأيام التي لا يكون لدينا التزامات هامة تشغلنا، كالعمل أو الدراسة أو غيرها. ولكن في واقع الأمر، قد يكون العكس هو الصحيح بالنسبة لبعض الناس، الذين يعانون من الأرق أو اضطرابات النوم الأخرى خلال تلك الأيام.

عندما يغيب الضغط المصاحب للعمل أو الدراسة أو ينقطع الروتين اليومي المألوف، قد يصبح من الصعب علينا الإستغراق في النوم بسهولة. فكردة فعل على هذا التغيير تحاول عقولنا التكيف مما قد يتسبب في اضطرابات في نوعية النوم وصعوبة في الوصول إلى مرحلة النوم العميق المرغوب.

في هذه المقالة، سنسلّط الضوء على العلاقة بين اضطرابات النوم والضغط المرافِق لأيامنا المجهِدة في العمل أو الدراسة، والتي قد تؤثِّر على راحتنا التي نتوقَّعها من النوم.

على الرغم من اعتقادنا أننا سنحقِّق الراحة عند النوم، إلا أن هذا الضغط قد يؤثِّر سلبًا على جودة نومنا. سنناقِش كيف يمكن أن تؤثِّر اضطرابات النوم على شعورنا بالصحة والرفاهية، وكيف يمكن أن يساهم الضغط اليومي في تفاقم هذه المشكلة كما سنقدِّم بعض الاستراتيجيات للتعامل مع هذه التحديات وتحسين جودة النوم.

اصطلاحًا، تُعرَّف اضطرابات النوم بأنها مجموعة من الظروف التي تعيق قدرة الشخص على النوم بشكل صحي وكاف. وتشمل هذه الاضطرابات مشاكل الخلود إلى النوم، وصعوبة البقاء نائمًا، والاستيقاظ المتكرر أثناء الليل، وانخفاض جودة النوم بشكل عام.

من أمثلة اضطرابات النوم الشائعة:

  • الأرق (Insomnia): الصعوبة في الخلود إلى النوم أو البقاء نائمًا.
  • متلازمة انقطاع النفس النومي (Sleep Apnea Syndrome): انقطاع التنفس المتكرر أثناء النوم.
  • اضطرابات الحركة أثناء النوم (Periodic Limb Movement Disorders): مثل الحركة الزائدة للأرجل.

هذه الاضطرابات قد تكون مؤقتة أو مزمنة، وقد يكون لها آثار ضارة على الصحة البدنية والعقلية للفرد. وتُعَد دراسة أسبابها وعلاجها مجالاً بحثيًا هامًا في مجال الطب والصحة.

من المدهش أن طبيعة أدمغتنا التكيفية قد تكون سلاح ذو حدّين فأدمغتنا المبهرة لديها القدرة على التكيف مع التغيرات في نمط النوم والاستيقاظ عند تعرضها لجداول زمنية مختلفة وهذه المرونة تساعدنا في التكيف أو التأقلم مع ساعات العمل الطويلة أو حتى فترات الدراسة المكثفة ولكن هذا وجه واحد للعملة! فالدماغ أيضًا مع استمرار الضغط وإضطرابات النوم لفترة طويلة من الزمن قد يبدأ "بالتكيف أو الإعتياد" على هذا النمط الغير صحي، ومع مرور الوقت قد يصبح من الصعب علينا العودة إلى نمط النوم الطبيعي حتى بعد رحيل الضغط المسبب له، وهذا ما أثبتته إحدى الدراسات المبنية على الملاحظة التي أجريت على عينة من الرجال والنساء ربع منهم يعانون من اضطرابات النوم وثلاثة أرباعهم لا يعانون منه، حيث أنها أثبتت أن الأشخاص المعرضين للقلق نتاج ضغط معين (عمل أو دراسة أو أيًا يكن) هم الأشد عرضة لاضطرابات النوم حتى بعد انقضاء الضغط المسبب لها خصوصًا في الشهور الأولى من انقضاء هذا الضغط. مما يطرح تساؤلًا مهمًا لأذهاننا، لمَ؟ 

والإجابة قد تكون في فرط الجهاز العصبي السمبثاوي إلى جانب  عوامل التكيف في أدمغتنا المبهرة. 

﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ في هذه الآية الكريمة، يُذَكّرُ الله سبحانه وتعالى الإنسان بأن في نفسه وتكوينه الداخلي آيات وعجائب تدل على قدرة الله وحكمته في الخلق. فالإنسان خُلِق بتناسق وتكامل عجيب، فجهازه السمبثاوي (الجهاز العصبي اللاإرادي) مسؤول عن الاستجابة للمواقف الطارئة أو الضاغطة من خلال تنشيط الوظائف اللاإرادية في الجسم، كما يُثير الاستجابة للقلق والتوتر.

ومع قدرة أدمغتنا على التكيف، فإننا عندما نعتاد على مصادر الضغط يصبح من الصعب علينا العودة إلى نمط النوم والاسترخاء المرغوب، ألا يدعونا هذا للتدبر؟

أثبتت دراسة أخرى تمثيلًا آخر لنفس المعنى، أجريت على عينة من المجتمع حيث أن المرضى الذين حققوا نتائج عالية في اختبار FIRST(اختبار استجابة الأرق لضغوط فورد) الذي يقيم استجابة الجسم للمحفزات المجهدة القياسية خصوصًا على الجهاز العصبي اللارادي، ويحدد ماهية العوامل الفسيولوجية المؤثرة على الأرق واضطرابات النوم الأخرى؛ إن كلما زاد تعرض الشخص للضغط ازداد عرضةً لاضطرابات النوم. 

إذًا في هذه الحالة كيف يمكننا حل هذه الظاهرة والحد منها؟ 

اشارت منظمة (Mayo Clinic) إلى أن العلاج المعرفي السلوكي هو وسيلة العلاج الأولى لاضطرابات النوم المرافقة للضغط وتشمل علاج التحكم بالمحفز، طرق الراحة والاسترخاء، العلاج بتقييد النوم، والعلاج بالضوء .

وفي الختام قال الله تعالى { وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }، فمن المهم جدًا أن يكون لنا وعيًا حاضرًا بهذه الظاهرة وأن لا ننسى أن لأنفسنا حق علينا في الرعاية إن أردنا حقًا أن نحقق أهدافنا السامية. فاجتهدوا في حياتكم وعلمكم وعملكم بإتزانٍ مع راحتكم، وتوكلوا على الله في جميع اموركم فلا داعي للضغط والقلق فكل ما سيكتبه الله هو خيرُ لكم، دمتم في معية الله ورحمته ودامت أيامكم بكل خير.

— -

بقلم: بندر الغامدي - ريماس القيسي - مشعل القحطاني

تدقيق: تركي السيالي.