المنهجيات الركيكة والخاطئة لجمع وتحليل البيانات وتأثيرها على صنع القرار

بدأنا بتوضيح ارتباط جمع وتحليل البيانات بالعلوم والمنهجيات العلمية لأنه مؤخرا مع تطور تقنيات تحليل البيانات وأتمتة عملياتها في المملكة العربية السعودية بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام بدأ الجانب العلمي الذي يعتمد على المنهجيات العلمية الرصينة وأركانها القوية بالإضمحلال والإنحسار. ومع انتشار تلك الممارسات والتسويق الضخم للتطبيقات التقنية التي تبسط عمليات تحليل البيانات......

المنهجيات الركيكة والخاطئة لجمع وتحليل البيانات وتأثيرها على صنع القرار


تحليل البيانات جزء من عدة أجزاء في المنهجية العلمية الرصينة وليس مجال مستقل بذاته

لنبدأ بالعودة لتصحيح بعض المفاهيم عن تحليل البيانات. عملية تحليل البيانات هي أحد العمليات العلمية والتي تعني طرق لاكتشاف الحقائق  والحصول على معارف موثوقة عن الحياة والطبيعة. المعارف الموثوقة هي المعارف التي خضعت لعميات تحقق من صحتها بالطرق العلمية (وهذه الطرق تسمى المنهجيات العلمية). ونعرف المنهجيات العلمية على أنها عدة طرق متفق عليها بين العلماء للحصول على المعارف والتحقق من صحتها. المنهجية العلمية تساعدنا على التحقق من مصداقية المعارف واستخدامها يعطينا فرصة أفضل للوصول للصواب والابتعاد عن الخطأ. وتعتبر المنهجيات العلمية هي أساس الثورة العلمية التي أوصلت الإنسانية لما هي عليه من تقدم علمي لأنها دائما تقربنا من الحقيقة وتبعدنا عن الخطأ. فقبلها كنا نعتمد على طرق كثيرة أقل دقة في تقريب الحقيقة مثل الحدس وتغليب الرغبات والمصالح الشخصية أو التطير  أو المتشابهات ورأي الحكماء ومن نعتقد أنهم خبراء وكثير من الطرق الأخرى التي بعضها فيه جزء من الصحة لكن الكثير من الخطأ.

وبدأنا بتوضيح ارتباط جمع وتحليل البيانات بالعلوم والمنهجيات العلمية لأنه مؤخرا مع تطور تقنيات تحليل البيانات وأتمتة عملياتها بدأ الجانب العلمي الذي يعتمد على المنهجيات العلمية الرصينة وأركانها القوية بالإضمحلال والإنحسار. ومع انتشار تلك الممارسات والتسويق الضخم للتطبيقات التقنية التي تبسط عمليات تحليل البيانات وربطها بعلوم البيانات ومصطلحات رنانه أصبح بالفعل لدينا كم كبير من البيانات وأدوات لأتمته تحليلها ولكن العائد الحقيقي من الاستثمار في هذه التقنيات وما تسوقه غير ملموس بل لم تستفد أغلب المنظمات من نتائج تلك البيانات إما لبديهيتها وعدم وجود فائدة حقيقية منها أو لفقدها المصداقية مع أول اختبار حقيقي لها في الواقع. 

ويعود السبب بشكل كامل لتجاهلنا الحقيقة الواضحة بأن عمليات جمع البيانات وتحليلها هي عمليات علمية بحثية بحته استغرقت البشرية عشرات العقود لتطويرها وفهمها. وأن محاولة اختزالها في تطبيق إلكتروني أو دورة قصيرة تعطى لغير المتخصصين ليصبحوا قادرين على خلق قيمة وعائد من الاستثمار هي في الحقيقة عبث وهدر للمال والجهد والوقت. فبالرغم من الكم الهائل من الضجيج التسويقي لهذه المنهجيات الركيكة وتطبيقات تحليل البيانات ذات الواجهة الجذابة والقدرات المحدودة فإنه لا يمكن بشكل حقيقي الإستفادة منها في الواقع لأن نتائجها غالبا خاطئة. ويعود السبب إلى ضعف جودة البيانات وضعف منهجية تحليل البيانات والخطأ في اختيار الإختبارات الإحصائية الصحيحة.

دراسة حالة حقيقية لبناء منهجية متكاملة واختبارها

لتوضيح المشكلة والحل بالأمثلة لنبدأ بوصف حالة حقيقية لجمع وتحليل بيانات بمنهجية علمية عالية  الجودة. في هذه المنهجية العلمية المحكمة والحاصلة على تقدير العديد من الجهات العلمية والتي فازت نتائجها بجوائز مرموقة، قام فريقنا البحثي بتطوير منهجية جديدة كليا لجمع وتحليل بيانات الصحة النفسية في المملكة بشكل دوري. كما يمكن قراءته في الورقة المنشورة يمكن تقسيم مراحل المنهجية للتالي:

1- المنهجية العلمية (الإطار العلمي)

وهي عملية وصف دقيقة للفكرة بشكل علمي حيث يتم فيها تحديد نوع البيانات التي سيتم جمعها والإطار الزمني لجمع البيانات ومصدر جمع البيانات ومكانه. 

2- منهجية تحديد حجم العينة

وهنا يقوم الفريق البحثي بإختيار الإطار الإحصائي المناسب للمنهجية العلمية والذي على أساسة يتم حساب حجم العينة بشكل دقيق جدا. 

3- منهجية اختيار العينة

وهنا يتم وصف عملية اخيار المشاركين في العينة ومعلوماتهم وماهي محددات الإختيار والرفض للمشاركة وكيف سيتم الوصول لهم وكيف سيتم جمع البيانات منهم مع وصف الأدوات التقنية والتشغيلية في هذه المرحلة. 

4- أدوات جمع البيانات 

وهنا يتم وصف أدوات جمع البيانات وكل سؤال فيها بشكل دقيق مع مصدرة أو سبب اخياره ونتائج التحاليل الإحصائية والدراسات التأكيدية. مثال على دراسة تأكيدية لتطوير أداة جمع بيانات قام بها فريقنا البحثي. 

5- المخرجات المراد قياسها ومنهجية جمعها وإعدادها

هنا يتم وصف المخرجات التي سيتم قياسها وماهي المصادر العلمي التي تم الاستناد عليها لاختيار هذه المخرجات وكيف يتم جمعها وكيف يتم تجهيزها لعملية تحليل البيانات بعد جمعها. 

6- منهجية تحليل البيانات

وهنا يتم وصف الاختبارات الاحصائية التي سيتم تنفيذها على البيانات لتحليل كل من المخرجات المحددة سابقا وكافة التفاصيل المتعلقة بالفرضيات التي سيتم اخذها في الإعتبار أثناء عملية تحليل البيانات. وكيفية التعامل مع البيانات الناقصة أو المفقودة إن وجدت. 

وغالبا ما تجمع كل هذه المراحل في وثيقة واحدة تسمى البروتوكول البحثي وهنا مثال على بروتوكول محكم ومنشور لنفس المشروع.

وهنا يمكن البدء في عملية جمع البيانات وتحليلها بالسير على البروتوكول المعتمد والعودة له في حال وجود أي مشكلة. وتعتمد جودة البروتوكول على الخبرة العملية للفريق البحثي الذي يقوم بتطويره ليكون واقعي وقابل للتنفيذ وليس مثالي معقد غير قابل للتطبيق في الواقع. 

ويمكن التحقق لاحقا من نتائج هذا البروتوكول كمعيار جودة إضافي عبر إخضاع البيانات للفرضيات العلمية كما قام به فريقنا في اختبار المنهجية وبياناتها عبر الفرضيات الإحصائية. 

أثر منهجيات جمع وتحليل البيانات على صناعة القرار

يمكننا تقسيم أثر منهجيات جمع وتحليل البينات على صناعة القرار بناء على قيمة المخرجات ومصداقيتها التي تنعكس من جودة المنهجية الشاملة وبالخصوص جمع وتحليل البيانات.

حينما تكون جودة البيانات والمنهجية المتبعة عالية فإن قيمتها تعتمد على ارتباط المخرجات التي تم قياسها بعملية إتخاذ القرار. وهنا يكون لدينا 4 حالات:

الحالة الأولى: الجودة عالية ولكن المخرجات التي تم قياسها ليست مرتبطة بعملية إتخاذ القرار

الحالة الثانية: الجودة عالية والمخرجات مرتبطة بعملية إتخاذ القرار

الحالة الثالثة: جودة منهجيات جمع وتحليل البيانات ركيكة وليست مرتبطة بعملية إتخاذ القرار

في الحالة الأولى بالرغم من جودة المنهجية والبيانات إلا أنه لا فائدة من المخرجات في عملية دعم و إتخاذ القرار وهذا يحدث بشكل شائع مع نتائج الأبحاث الأكاديمية حيث لا تكون مرتبطة في تصميمها مع المشكلة والأولويات التي يحتاجها متخذ القرار. وقد تحدث حينما لا يكون هناك ربط للمنهجية مع نموذج إتخاذ القرار في المنظمة. 

في الحالة الثانية وهي ما تسعى إليه كل المنظمات ستكون المخرجات ذات قيمة لعمليات إتخاذ القرار وولكن يجب أن نتيقن بأن الوصول لهذه المرحلة والإستمرار فيها بحاجة لتطوير مستمر فهي وسيلة وليست غاية. 

الحالة الثالثة هي هدر للموارد والجهود مالية كانت أو معنوية وهذه الحالة تؤدي لفقد ثقة المسؤولين ومتخذي القرار في جدوى الدراسات وتحليل البيانات وتجعلهم يميلون لإتخاذ القرارات بناء على الخبرة والحدس ورفض كل إدعاءات فوائد تحليل البيانات. 

المرحلة الرابعة هي الأخطر حيث ستقودنا لإتخاذ قرارات خاطئة تترتب عليها عواقب تشغيلية قد تكون كارثية بالإضافة للهدر المعنوي والمادي في الموارد الذي حصل في الحالة الثالثة. وقد تؤثر هذه العواقب على سمعة المنظمة وبقائها.