نقل التقنية: ما فائدة البحث العلمي والابتكار؟
تملك معظم الشركات ذات المنتجات الصناعية إضافة إلى الجامعات الرائدة تقنيا تملك مكاتبا متخصصة في نقل التقنية تهدف إلى تسويق الملكيات الفكرية بأنواعها بهدف الحصول على دعم وتمويل ينقل البحث العلمي والإبتكار من مختبرات ومعامل الأبحاث والتجارب بالجامعات إلى المجتمع إما من خلال إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة تتولى تطوير الملكيات الفكرية ومخرجات البحث العلمي والأفكار الريادية وتخرج بها للسوق أو من خلال بيع حقوق الملكية الفكرية....
الاستثمار في البحث العلمي وحماية الملكية الفكرية تنعش الاقتصاد وتخلق الوظائف وتنمي الاقتصاد والناتج المحلي، جملة نسمعها كثيرا، ولكن هل هي صحيحة على الإطلاق؟ أجرت المنظمة الدولية للملكية الفكرية WIPO بالاشتراك مع هيئات الملكية الفكرية في ست دول (الصين، الهند، اليابان، كوريا، فيتنام، ماليزيا) دراسة عن العلاقة بين ارتفاع أعداد الملكيات الفكرية وبين انتشارالإبداع والابتكار وتحسين الوضع الاقتصادي واظهرت نتائج الدراسة بأن هناك علاقة إيجابية بين حماية الملكية الفكرية وبين الانتعاش الاقتصادي وزيادة البحث العلمي والابتكار وجذب الاستثمار الخارجي (1). توجد تجارب لدول تثبت صحة الجملة ولكن توجد أيضا بالمقابل تجارب لدول أخرى لم تحدث حماية الملكيات الفكرية ولا حتى البحث العلمي أثرا اقتصاديا فيها وستتناول هذه التدوينة العوامل التي تؤثرعلى فعالية الملكيات الفكرية والبحث العلمي في الاقتصاد.
تملك معظم الشركات ذات المنتجات الصناعية إضافة إلى الجامعات الرائدة تقنيا تملك مكاتبا متخصصة في نقل التقنية (2،3،4،5) تهدف إلى تسويق الملكيات الفكرية بأنواعها بهدف الحصول على دعم وتمويل ينقل البحث العلمي والإبتكار من مختبرات ومعامل الأبحاث والتجارب بالجامعات إلى المجتمع إما من خلال إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة تتولى تطوير الملكيات الفكرية ومخرجات البحث العلمي والأفكار الريادية وتخرج بها للسوق أو من خلال بيع حقوق الملكية الفكرية وتشترك كل هذه المكاتب بالعمليات الموضحة بالشكل أدناه:
تشير أرقام احصاءات مركز نقل التقنية في جامعة جونز هوبكنز للعام 2018 لأن دخل المركز وصل إلى 16 مليون دولار تقريبا بينما وصلت إيرادات مكتب نقل التقنية لجامعة هارفارد للعام 2018 مبلغ 54 مليون دولار وخرجت 21 شركة من المكتب خلال العام نفسه وتم نقل ملكية 51 براءة اختراع لشركات القطاع الخاص. فكيف تتمكن هذه الجامعات من تحقيق أثر اقتصادي من ملكياتها الفكرية؟ قبل الدخول في وصف خطوات نقل التقنية ينبغي إيضاح بعض الجزئيات المهمة التي يغفل عنها كل من يقارن بين أداء الجامعات المحلية وبين أداء هذه المكاتب:
- ملكية الجامعة: كل ناتج بحثي أو اختراع أو ابتكار يخرج من عضو هيئة تدريس أو طالب بجامعة معينة يعتبر قانونيا ملكا للجامعة التي ينتمي لها ولا يحق له التصرف به بدون التنسيق مع مكاتب نقل التقنية بتلك الجامعات.
- نموذج العمل: تقوم مكاتب نقل التقنية بتسويق المعرفة والمهارة المتوفرة بجامعاتها للقطاع الخاص بهدف إقناعه بالاستثمار بها إما من خلال الدخول بشراكة تجارية مع الجامعة أو من خلال نقل حقوق الملكيات الفكرية التي تملكها الجامعات للقطاع الخاص بمقابل مالي معين.
- التمويل: مصادر التمويل لعمليات مكاتب نقل التقنية هي القطاع الخاص فلا توجد جامعة من هذه الجامعات تخصص جزءا من ميزانياتها للاستثمار المباشر في الملكيات الفكرية بل تسعى الجامعات لإبراز مليكاتها الفكرية كفرص تدعم نمو المستثمرين وتوسعهم ويحرص ذوو الاستثمار الجريء على اقتناص فرص الملكيات الفكرية المتوفرة بالجامعات رغبة بتحقيق أرباح ونمو اقتصادي من خلالها.
- العلاقات الصناعية: يحرص القطاع الخاص بمجالاته المتعددة على زيارة مكاتب نقل التقنية بالجامعات للتعرف على الملكيات الفكرية الجديدة ويسعي للاستثمار ونقل ملكية ما يتوائم منها مع مجالات اهتمامه. النجاح بهذا يتطلب وجود علاقات صناعية للجامعات مع إدارات نقل التقنية والتطوير والبحث التي توجد بكل الشركات والهيئات والمؤسسات بالمجتمع كما يتطلب وعيا لدى جهات الاستثمار بأهمية اغتنام الفرص الاقتصادية المتوفرة بالملكية الفكرية لدى المبتكرين ولذا تحرص مكاتب البحث والتطوير بالشركات على بناء علاقات قوية مع الجامعات والتعرف على الجديد فيها من أجل الاستثمار فيه وتوجد برامج حاسوبية ومواقع انترنت ومؤتمرات كبيرة في كل العالم يجتمع فيها القطاعان الخاص والعام مع مراكز الأبحاث والجامعات لتسويق الملكيات الفكرية ونقل تراخيصها وحقوقها الملكية من الجامعات للمستثمرين وهذه العلاقة المتبادلة تدعم اقتصاد المعرفة وتنشئ الوظائف الجديدة والفرص.
- جهوزية البراءة: الحصول على براءة اختراع لا يعني أن الفكرة ذات قيمة اقتصادية ستجذب القطاع الخاص للاستثمار فيها فهناك براءات اختراع ليس لها أي قيمة اقتصادية ولن يستثمر بها أحد. تمنح براءة الاختراع لأفكار لا تزال بمهدها مما يجعل الاستثمار فيها عال الخطورة وهذا أمر ينفر الشركات من الاستثمار المباشر بنتائج البحث العلمي أو الملكيات الفكرية ولذا ينبغي على الباحثين والمبتكرين العمل على بناء نماذج صناعية واختبارها بظروف عمل مختلفة وكلما زاد معدل الاختبارات التي تجتازها النماذج كلما انخفضت خطورة الاستثمار مما يحفز الشركات بشكل أكبر على الاستثمار به وتبذل مكاتب نقل التقنية جهودا كبيرة للحصول على مصادر تمويل لتسويق المعرفة المتوفرة بجامعتهم بآليات تمكنهم من تحويل المعرفة لقيمة اقتصادية.
- وادي موت التقنية: هي مرحلة ما بعد النشر العلمي والحصول على براءة الاختراع وتشمل بناء نماذج صناعية واختبارها للتحقق من الجدوى الاقتصادية والكفاءة والمأمونية لبراءة الاختراع وقد تتطلب بناء عدة نماذج واختبارها وقد ينتهي الأمر بعد الاختبارات بعدم جدوى البراءة وتقدر نسبة التقنيات التي لا تتجاوز وادي موت التقنية وتنتهي بالبراءة والنشر العلمي بحوالي 92%.
بعد أن تم ايضاح بعض الأفكار المرتبطة بنقل التقنية ننتقل لطرح نبذة سريعة عن أهم العلميات التي تتم في مكاتب نقل التقنية بالجامعات والموجودة في الشكل رقم (1) بالأعلى والتي تهدف إلى تحويل الفكرة إلى أثر اقتصادي بالمجتمع:
- اتفاق سرية
- تبدأ العلاقة بين المخترع أوالمبتكر وبين مكتب نقل التقنية باتفاق تبادل المعلومات في سرية حيث يلتزم المخترع بالإفصاح عن كل تفاصيل ابتكاره ليتمكن المكتب من تقييمها ويلتزم المكتب بعدم مشاركة أي جهة خارج جهة التقييم والتحكيم بهذه التفاصيل مع التأكيد بأن كل ما ينتج داخل الجامعة هو ملك للجامعة ويملك الباحث أو الطالب نسبة من أي إيرادات قد تنتج منه حسب اللائحة التنفيذية للملكية الفكرية المعتمدة بتلك الجامعة.
- القيمة السوقية
- يقوم مكتب نقل التقنية بتقييم الفكرة علميا واقتصاديا للتحقق من صحة الفكرة علميا وإمكانية تطبيقها بكفاءة وقيمة اقتصادية محتملة جيدة وفي حال اجتياز الفكرة لهذه المرحلة تبدأ إجراءات الملكية الفكرية.
- ملكية فكرية
- تبدأ إجراءات التقديم على حماية الملكية الفكرية حسب نوع الفكرة (براءة اختراع، نموذج صناعي، حقوق طبع وتوزيع، علامة تجارية، تصميم) وهدف هذه العملية ضمان ملكية الفكرة للمخترع والجامعة قبل البدء بتسويقها وقبل التواصل مع جهات تمويل ونمذجة واختبار لبناء نماذج صناعية تحفز وتطمئن المستثمرين على كفاءة الفكرة وقيمتها الاقتصادية
- تمويل جهوزية
- تبذل مكاتب نقل التقنية مع المبتكرين جهدا كبيرا للحصول على تمويل من جهات خارجية لرفع مستوى جهوزية الفكرة لتتجاوز مرحلة وادي الموت الذي سبق ذكره أعلاه وكلما كانت الفكرة جيدة وواضحة وتم إجراء اختبارات أولية تثبت كفاءتها كلما كانت إمكانية الحصول على هذا التمويل مرتفعة علما بأن مقدم هذا التمويل يخاطر بشكل كبير فقد ينتج من الاختبارات الصناعية أن الفكرة ليست ذات جدوى اقتصادية وأنها مفيدة وجيدة في المعمل والظروف المثالية فقط، ولا يمانع المستثمرون خوض هذه المخاطرة عدة مرات والفشل فيها لحين الوصول للمنتج المثالي الذي يملك قيمة اقتصادية تعوض كل الخسائر السابقة.
- نمذجة واختبار
- يتم هنا بناء نماذج صناعية مطابقة للمواصفات القياسية المرتبطة بهذا المنتج كما يتم تجربتها واختبارها بظروف مختلفة للتحقق من كفاءة العمل وجودته وينبغي ملاحظة أن النماذج الأولية التي تبنى ببداية البحث العلمي لا تصلح لإقناع المستثمرين بكفاءة وجودة الفكرة فكثيرا ما تنجح الأفكار داخل المعامل وتفشل فورا عندما تخرج للواقع إما لتوفر وسائل أخرى تؤدي نفس الغرض بشكل أرخص وأسرع أو لأن ظروف البيئة والصناعة وتجربة العميل والمستخدم تبين أن الفكرة لا تملك جدوى اقتصادية.
- منتج نهائي
- عادة ما يتم بناء واختبار عدة نماذج عمل وينتج عن هذا تعديل مستمر للنموذج الصناعي لحين الوصول لنموذج اجتاز كافة الاختبارات وحقق القيمة الاقتصادية المعقولة التي تحفز المستثمرين على تمويل بناء شركة تعتمد على هذه الفكرة أو يتم نقل ملكية الفكرة من الجامعة إلى المستثمر بموجب قيمة مالية يتم الاتفاق عليها
- تسويق/ترخيص
- يتم تسويق الملكية الفكرية على جهات الاستثمار من خلال عدة وسائل منها (مواقع الانترنت، المنتديات، المؤتمرات وغيره) بهدف بناء علاقة استثمارية مع الجامعة إما من خلال بناء شركة أو نقل ملكية الفكرة للمستثمر إما بشكل مباشر أو على شكل أسهم للجامعة والمبتكر والمستثمر.
- نموذج تجاري
- تحتاج عملية التسويق وإقناع المستثمرين اجراء دراسات جدوى مالية واقتصادية للسوق وحجمه وحاجات المستهلكين والمنافسين والفرص المتاحة لدخول السوق والتحديات وكلما كانت الدراسات شاملة وجيدة كلما حفزت المستثمرين لترخيص التقنية
- تمويل
- المقصود هنا هو الاتفاقية التي يتم بموجبها الاتفاق بين المستثمر والجامعة والمبتكر على طبيعة العلاقة التي قد تكون شراكة بأسهم أو نقل كامل لملكية التقنية للمستثمر
- شركة ناشئة
- عند توفر التمويل والاتفاق بين الممول والجامعة والمبتكر تبدأ الشركة الناشئة بالعمل لتخدم المجتمع بفكرتها وتقوم بتوظيف الشباب ويبدأ الأثر الاقتصادي للفكرة بالمجتمع
أتمنى أن تكون التدوينة قد ساهمت بتقريب مفهوم نقل التقنية لدى القاريء كما أتمنى من المهتمين اثراء التدوينة بتجاربهم أو مواقع مفيدة بها معلومات يستفيد منها المهتمون بهذا المجال.
المراجع:
- موقع المنظمة الدولية لحماية الملكية الفكرية (آخر زيارة في أغسطس 2019) https://www.wipo.int/wipo_magazine/en/2007/04/article_0006.html
- مكتب تطوير التقنية بجامعة هارفارد https://otd.harvard.edu/
- مكتب ترخيص التقنية بمعهد ماساشوشتس التقني https://tlo.mit.edu/
- مكتب ترخيص التقنية بجامعة ستانفورد https://otl.stanford.edu/
- مكتب نقل التقنية بجامعة جونز هوبكنز https://ventures.jhu.edu/