لماذا قد يرفض الآلاف من الأشخاص اخذ اللقاح المنتظر؟!

لماذا قد يرفض الآلاف من الأشخاص اخذ اللقاح المنتظر؟!


تتسابق شركات الأدوية العالمية لإعلان مستجدات إيجابية بشأن جهود تطوير لقاح فعال ضد وباء "كوفيد-19" الذي أودى بحياة 1.4 مليون شخص حتى الآن. ورغم انتظار الملايين حول العالم بدء توزيع اللقاحات المحتملة لإنهاء خطر الفيروس فإن البعض يقف في موقف المتشكك الرافض للتطعيم ضد الوباء. يقول الخبراء إن 80 إلى 90 في المائة من السكان يجب أن يصبحوا محصنين إما من خلال التطعيم او من خلال العدوى السابقة.

نظرًا للجهود الهائلة لتطوير وتوزيع اللقاحات يمكن تحقيق هذا الهدف ولكن فقط إذا وافق عدد كافٍ من الناس على أن يتم تطعيمهم.

أعلنت شركتا "فايزر" و"بيونيتك" تطوير لقاح بفاعلية 95% للوقاية من فيروس "كورونا"، أعقبها إعلان مماثل لـ"موديرنا" عن لقاح ثان بفاعلية متقاربة، ثم ثالث خاص بـ"أكسفورد" و"أسترازينيكا" لكن بفاعلية أقل عند 70%.

 لكن رغم ترحيب المجتمع الدولي بفئاته كافة بهذه الأخبار الإيجابية التي قد تضع حداً للوباء، فإن استطلاعات الرأي أوضحت أن هناك نسبة لا يستهان بها من الناس ترفض اللقاح بشكل كبير. عقبة كبيرة أمام تحقيق هذا الهدف هي عدم الثقة في التطعيمات. 

 أظهر مسح لشركة "ابسوس" للبحوث في نوفمبر 2021 أن 73% من المشاركين في الاستطلاع عالمياً سيوافقون على تلقي اللقاح ضد "كوفيد-19" عندما يكون جاهزاً.

 تعتبر هذه النسبة أقل 4% من النتائج المعلنة في أغسطس الماضي، كما أنها تعني أن ثلاثة أشخاص من كل عشرة يرفضون الحصول على التطعيم لمنع انتقال العدوى.

 جاءت الدول الأوروبية في مقدمة الرافضين لتلقي اللقاح، حيث إن متوسط نسبة الفرنسيين الذين سيوافقون على تلقي جرعات اللقاح بلغت 54% فقط، يليهم البريطانيون والإسبان والإيطاليون.

 في حين كان الهنود والصينيون والكوريون والبرازيليون هم الأكثر قبولاً للتطعيم المحتمل ضد الفيروس التاجي بنسب موافقة تراوحت بين 81% إلى 87%.

 بينما أظهر مسح "جالوب" الصادر في العشرين من شهر نوفمبر 2021 أن 42% من الأمريكيين البالغين سيرفضون تلقي اللقاح عندما توافق إدارة الغذاء والدواء على استخدامه، وحتى إذا تم توزيعه مجاناً.

وفي المملكة المتحدة، تشير أحدث الاستطلاعات إلى أنه من المرجح رفض نحو خُمس البريطانيين الحصول على لقاح "كورونا" حال كان متوفراً بشكل مجاني.

 يبدو ايضا ان عامل العمر هاماً في تحديد الراغبين في تلقي اللقاح من عدمه، حيث إن كبار السن أكثر ميلاً للحصول على التطعيم ضد الفيروس، كما أن النساء يوافقن على اللقاح بدرجة أكبر من الرجال.

 كما أن مدى قبول اللقاح من عدمه يختلف باختلاف الدول وحتى داخل البلد الواحد، وتبرز عوامل مثل التعليم والدخل لتتناسب طردياً مع الرغبة في الحصول على التطعيم ضد الفيروس.

مقاومة تلقي اللقاح ليست سوى جزء من المشكلة فقد يعتقد بعض الناس أن Covid-19 مؤامرة وينكرون وجود Covid-19 أو إذا حدث ذلك فإنه ليس أسوأ من نزلات البرد أو الأنفلونزا. يعتقد البعض أن التقارير المتعلقة بوفيات Covid-19 مبالغ فيها إلى حد كبير. يرفضون ارتداء الأقنعة وقد يواجهون من يفعل ذلك حتى أن هناك احتجاجات ضد التطعيم ضد فيروس Covid-19 زاعمين أن الوباء عملية احتيال.

لكن لماذا قد يرفض البعض الحصول على الأمان من رعب الوباء؟ الواقع أن الأمر يمثل مشكلة قديمة للغاية أثارت قلق المؤسسات الدولية على مدى أعوام طويلة.

وقبل أكثر من قرن، خرجت تظاهرات كبيرة لرفض فرض الحكومة البريطانية لقاحات ضد مرض الجدري بدعاوى مثل خطورة اللقاح على الصحة العامة والتشكك حيال محاولة استغلال البعض للأمر بطريقة سلبية.

 وتعرف ظاهرة "التردد أو رفض قبول اللقاحات" منذ عشرات الأعوام، ورغم أنها تختلف حسب الزمان والمكان والأمراض فإنها تبرز من عوامل متشابهة تتلخص في الشك أو الرضا عن الذات والثقة في القدرات الشخصية. فهذه المقاومة للقاح والإيمان بنظريات المؤامرة حول Covid-19 ناتجة على الأقل جزئيًا عن انعدام الثقة. الثقة في العلم والثقة في القادة ضرورية للناس لقبول حقيقة الوباء وضرورة التطعيم. 

والآن وفي القرن الحادي والعشرين، يبدو أن هناك العديد من الأسباب التي تبرر رفض البعض تناول اللقاح المنتظر ضد الوباء العالمي:

  •  يخشى بعض الناس من الآثار الجانبية لتلقي اللقاح، وتبرز النسبة الأكبر لهذه المخاوف في اليابان والصين وإسبانيا، وبالتالي ينتظر هؤلاء مرور الوقت للتأكد من سلامة اللقاح على الآخرين أولاً.
  • السبب الثاني المهم في معظم ردود الرافضين للحصول على التطعيم هو أن التجارب السريرية تمت بشكل سريع للغاية، ما آثار القلق حيال قدرته على منع الإصابة بالفيروس.
  • تعتقد نسبة بسيطة من الرافضين للقاح أنه لن يكون فعالاً للوقاية من الإصابة بالفيروس، بينما أبدى آخرون رفضهم للتطعيم بشكل عام معتبرين أن الإصابة والتعافي الطبيعي خيار أفضل لاكتساب المناعة.
  •  في حين يشير آخرون إلى أن فرص تعرضهم لخطر الإصابة بالفيروس المستجد ضعيفة، وبالتالي فإن التطعيم ليس له مغزى.
  • ويعقد بعض الرافضين للقاحات أنها تستخدم في التربح التجاري فقط، بينما يذهب آخرون بعيداً بالاعتقاد أن برامج التطعيم تمثل خدعة من قبل شركات الأدوية والسلطات التي تروج لها لتحقيق مكاسب مالية.

ماهي الأضرار المترتبة من عدم أخذ اللقاح؟ وهل تؤثر فقط على المستوى الشخصي أم على الآخرين وتهدد الحياة البشرية؟

يبدو الضرر المرتبط برفض اللقاح واضحاً للجميع، فمن جانب قد يعاني الرافضون للتطعيم المرض وتبعاته، ومن جهة أخرى فإن إصابتهم بالفيروس ستجعلهم مصدراً للعدوى وإصابة الآخرين أيضاً. الخطر الأكبر يتمثل في أنه إذا انسحب عدد كبير من برامج التطعيم ضد الوباء، فإنه سيكون من الصعوبة بمكان أن يشهد المجتمع تطوير مناعة القطيع، ما قد يجعل الوباء مستوطنا ومتكرر الظهور.

 تتباين رؤية الخبراء حول طريقة حل مشكلة رفض تلقي اللقاح، حيث إن البعض يشير لضرورة قيام الحكومات بمواجهة التردد بشأن التطعيم ومحو أمية البعض بأهميته، بينما يعتقد آخرون أن الترهيب والإلزام هو الحل الأسرع لأن حصول الشخص على التطعيم لا يتعلق بحماية صحته الشخصية فقط ولكن أيضاً يمثل وقاية للمجتمع بأكمله. فمن الضروري أن تعمل الحكومة مع العلماء على بناء وتحسين الثقة في أي لقاح مستقبلي ضد الفيروسات، من خلال فهم كيفية مراحل تطوير اللقاحات التي ستحصل على الموافقات التنظيمية، مع أهمية الإجابة عن أي أسئلة قد تكون لدى البعض.

 كما يمكن للمتشككين أن يطلعوا بأنفسهم على التقارير المتعلقة بالسلامة والفاعلية للقاحات، مع ضرورة الثقة في مصداقية المنظمات الصحية في الدولة.

 في النهاية، يجب أن يهتم الجميع بصحة أقاربهم وأصدقائهم بنفس قدر اهتمامهم بصحتهم الشخصية، مع الابتعاد عن مروجي نظريات المؤامرة بدون دليل واضح على صدق الادعاءات المخالفة للمنطق غالباً.

المصدر:

https://www.psychologytoday.com/us/blog/head-strong/202102/why-people-might-reject-covid-19-vaccine

- أرقام – منظمة الصحة العالمية - ابسوس – فرانس 24 – الجارديان – بي بي سي – ساينس ألرت – داتا تريك