تدوير المخلفات الصلبة: استدامة بيئية وقيمة اقتصادية
تعد البيئة بجانبيها المادي والمعنوي بمثابة الإطار الذي يحيط بالإنسان ويؤدى فيه كل أعماله الانتاجية والاجتماعية، فقد خلقها الله سبحانه وتعالى متوازنة خالية من أي مصادر للتلوث سواء على الانسان أو البيئة المحيطة به وأن استغلال الانسان لمواردها بطريقة غير رشيدة وابتكاره لتقنيات حديثة جعلها عاجزة عن إعادة التوازن بين عناصرها، فتفاقمت نسب التلوث بها وارتفعت درجة الحرارة وتصاعدت الغازات الضارة، فساءت أحوال الانسان الاجتماعية والصحية والاقتصادية واتسعت الفجوة بينه وبين تحقيق التنمية.
ويعد انتشار المخلفات الصلبة أحد المشاكل الرئيسية في العصر الحالي، وخاصة في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية، وتزداد المشكلة مع زيادة أعداد السكان وزيادة تقدمهم الحضاري والصناعي.
فقد بلغ مستوى توليد مخلفات ما بعد الاستهلاك في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 160 مليون طن من المخلفات الصلبة في العام أي 439 ألف طن يومياً مما يمثل تحديات بيئية وهندسية خطيرة وقد ازداد هذا المعدل إلى ما بين 180 و200 مليون طن سنوياً من عام 1988 إلي عام 1995؛ أي بمعدل 1814 إلى 1905 جرام في اليوم للفرد الواحد وفي عام 2000 وصلت كميات المخلفات إلى 216 مليون طن سنوياً أي بمعدل 1996 جرام في اليوم للفرد الواحد؛ أو ما يعادل 721 كيلوجرام من القمامة سنوياً. ورغم أن التحول من الصناعات الثقيلة إلى اقتصاد الالكترونيات تطلب استخدام قدر أقل من الموارد الطبيعية، إلا أن الوفر الذي تحقق تبدد بفعل الطفرة الاقتصادية واتجاه المستهلكين لنمط حياة يعتمد على استهلاك قدر أكبر من المواد والطاقة.
أما في المملكة العربية السعودية يتم توالد المخلفات البلدية الصلبة (MSWs) من عدة مصادر مختلفة، مع أكثر من 80٪ تتركز في مناطق حضرية مختلفة. يتركز توليد المخلفات في أكبر ثلاث مدن في المملكة العربية السعودية (الرياض وجدة والدمام) في كل منها خصائص فيزيائية مختلفة. ففي المنطقة الشرقية من المملكة على سبيل المثال، تواجه الحكومة ضغوطًا كبيرة بسبب الزيادات السريعة في النمو السكاني، مما يستلزم زيادات في المخلفات الصلبة البلدية. فأجمالي تقدير المخلفات البلدية المنتجة في عام 2005 بنحو 10.4 مليون طن من المخلفات البلدية وحوالي 13 مليون طن في عام 2013. وبلغت كمية المخلفات 1093 مليون طن / للفرد / سنويا، ويتوقع أن تصل إلى حوالي 18.4 مليون طن في عام 2025.
تساهم مشاركة السكان في فرز المخلفات بشكل كبير في إعادة تدويرها وبالتالي تقليل المخلفات الصلبة، وهو ما يمثل تعاونًا مشتركًا بين الجهات الحكومية والمقيمين، وبالطبع قد يكون قابلاً للتطبيق في جميع المدن السعودية وهو الأمر الذي سيساعد في تحقيق الاستدامة في إدارة المخلفات الصلبة في المملكة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ضمان تشريعات قوية، وخلق الوعي البيئي لدي السكان، وتقديم الدعم المالي وإدخال التقنيات الحديثة وتشجيع السكان المشاركة في فرز المخلفات وإعادة تدويرها وهو الأمر الذي سيساهم بنسبة كبيرة في تقليل الآثار السلبية لمواد المخلفات على صحة الإنسان والبيئة.
بقلم:
د. أسامة أحمد لبيب
استاذ تكنولوجيا التحكم في الملوثات البيئية المساعد بقسم صحة البيئة
جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل