الوصمة النفسية، تحتاج أكثر من مجرد " علاج سلوكي"!

الوصمة النفسية وما يعرف بـ Stigma هي عبارة عن الصورة النمطية السلبية التي يضعها او يعلقها افراد المجتمع على شخص او مجموعة تستخدم للتصنيف

الوصمة النفسية، تحتاج أكثر من مجرد " علاج سلوكي"!


الوصمة النفسية وما يعرف بـ Stigma هي عبارة عن الصورة النمطية السلبية التي يضعها أو يعلقها أفراد المجتمع على شخص أو مجموعة من الأشخاص، كأن ينصف فلان بالسمين، أو فلان بالطويل أو بناء على لون البشرة أو العيوب الخلقية والإعاقات. مثل هذه السلوكيات النابذة للفرد أو المجموعة تسبب آثار نفسية على الفرد قد تستمر فترات طويلة مسببة العديد من الاضطرابات النفسية. وجدت الدراسات ان أكثر من نصف الاشخاص الذي يعانون من الوصمة النفسية تتدهور صحتهم النفسية مسببة العديد من الاضطرابات وأن هؤلاء الاشخاص لا يتلقون المساعدة أو العلاج المناسب في الوقت المناسب. في كثير من الأحيان، يتجنب الأشخاص أو يتأخرون في طلب العلاج خوفاً من معاملتهم بشكل مختلف أو خوفاً من فقدان وظائفهم.  مقالنا اليوم يتحدث عن الوصمة وأثراها على الصحة النفسية. 

ما هو الفرق بين التمييز Discrimination  والوصمة النفسية Stigma:

يختلف مصطلح التمييز عن الوصمة. التمييز هو المعاملة المجحفة للأشخاص الاخرين بناء على العرق، النسب، مكان المنشأ، واللون، والأصل العرقي، العقيدة، الجنس، الجنسية، والعمر، والحالة الاجتماعية، والحالة العائلية أو الإعاقة، بما في ذلك الاضطراب العقلي. يمكن أن تكون سلوكيات التمييز علنية أو تتخذ شكل منهجي (خفي). أما الوصمة فتعرف على أنها الصورة النمطية السلبية والتمييز هو السلوك الناتج عن هذه الصورة النمطية السلبية. للوصمة ثلاث مكونات رئيسية: نقص المعرفة (الجهل)، والمواقف السلبية (التحيز) تصرفات الاخرين تجاه بعضهم (التمييز).

انواع الوصمة النفسية Type of Mental Health Stigma

هناك العديد من الانواع المختلفة للوصمة النفسية:

1.    الوصمة الاجتماعية او العامة: عندما يشارك المجتمع أو عامة الناس الأفكار أو المعتقدات السلبية حول مجموعة معينة من الاشخاص بناء على عرق او مذهب او ديانة.

2.    الوصمة الذاتية: عندما يكون لدى الشخص المصاب بحالة صحية أفكار أو معتقدات سلبية عن نفسه بناءً على متلازمة معينة مثل الوسواس القهري او القلق او الاكتئاب.

3.    الوصمة الجماعية: وصمة العار التي تؤثر على الأشخاص المرتبطين بشخص يعاني من حالة صحية عقلية، مثل الأصدقاء أو أفراد الأسرة

 

تأثير وسائل الإعلام على المواقف العامة

وجدت العديد من الدراسات أن وسائل الإعلام وتطبيقات التواصل الاجتماعي يلعبان دورًا رئيسيًا في تشكيل الآراء العامة حول الصحة النفسية والاضطرابات النفسية. غالبًا ما يتم تصوير الأشخاص الذين يعانون من حالات نفسية على أنهم خطيرون وعنيفون ولا يمكن التنبؤ بهم. عادةً ما يتم عرض القصص الإخبارية التي تثير أعمال العنف التي يرتكبها شخص يعاني من حالة صحية عقلية على أنها عناوين الأخبار؛ بينما يوجد عدد أقل من المقالات التي تعرض قصص التعافي أو الأخبار الإيجابية المتعلقة بأفراد متشابهين. غالبًا ما يتميز الترفيه بالصور والصور النمطية السلبية عن حالات الصحة النفسية، وقد ارتبطت هذه الصور ارتباطًا وثيقًا بتطور المخاوف وسوء الفهم لدى افراد المجتمع.

آثار الوصمة على الصحة النفسية:

يمكن للوصمة التي يتعرض لها الفرد أن تحمل اثار سيئة جداً وتجعل من الصعب التعافي منها.  قد لا تكون الوصمة واضحة أو يتم التعبير عنها بشكل كبير. بل يمكن أن يأتي في الكلمات التي يستخدمها الناس لوصف بعضهم البعض، يمكن أن يتضمن ذلك لغة مؤذية أو مسيئة أو رافضة، والتي يمكن أن تزعج الناس عند سماعها. هذا يمكن أن يجعلهم يشعرون بالوحدة وأن لا أحد يفهم ما يمرون به. يمكن ان تشمل آثار الوصمة ما يلي:

1.     العزلة الاجتماعية

2.     التدني في احترام وتقدير الذات

3.     اليأس

4.     عار

5.     تجنب العلاج

6.     التمييز في العمل

7.     البطالة

 

الوصمة في مقر العمل:

عالمياً، نشر استطلاع رأي أجري عام 2019 من قبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA)  في امريكا ان الوصمة المتعلقة بالصحة النفسية لا تزال تمثل تحديًا كبيرًا في مكان العمل. حيث اظهرت نتائج الدراسة ان حوالي نصف الموظفين يعانون من القلق حول مناقشة صحتهم النفسية في مكان العمل. كما اظهرت النتائج واحد من كل ثلاثة موظفين قلقين بشأن سمعتهم او مستقبلهم الوظيفي او الفصل فيما اذا عرف مدراءهم بشأن مشاكلهم النفسية.

محلياً في المملكة العربية السعودية، لم يتم عمل اي دراسة عن تأثير الوصمة في مقر العمل. فأغلب الدراسات تناولت قضايا التميز العرقي او الجنسي. كذلك العديد من الدراسات تعمقت في دراسة التمييز للممارسين الصحيين وموظفي القطاع الصحي. مما تدعو الحاجة لتبني هذا الموضوع وعمل الدراسات على هذه الفئة المهمة من المجتمع. ليس ذلك وحسب، فالأرقام

 

كيف يمكن التقليل من الوصمة:

الحديث عنها علناً وتأثير المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي:

يمكن التقليل من اثار الوصمة، عبر الحديث عنها بصوت مسموع وأنها مشاعر مؤذية تضر بأفراد المجتمع والذين هم المكون الاساسي للمجتمع بأكمله. نبذها هي من اهم عناصر نجاح والتغلب على الوصمة. وعلى سبيل المثال. نشاهد العديد من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي مثل ديمي لوفاتو ودواين جونسون "ذا روك" ومايكل فيلبس وتراجي بي هينسون وليدي غاغا تحدثوا علنًا عن قصصهم بالوصمة والتميز العنصري الى أكثر وسائل الإعلام مشاهدة. مثل هذه المشاهدات، تحفز الشباب على عدم التأثير بالعبارات التي قد يتلفظ بها العامة تجاهمهم، بل تحفزهم على البحث عن حقوقهم تجاة من يتعدا عليهم. وجدت دراسة استقصائية وطنية في امريكا أجريت عام 2020 على أشخاص تتراوح أعمارهم بين 14 و 22 عامًا أن 90 بالمائة من المراهقين والشباب الذين يعانون من أعراض الاكتئاب يبحثون عن الحلول عبر الإنترنت ومعظمهم بتأثرون ويقتدون بأشخاص آخرين سمعوا بقصصهم من خلال المدونات والبودكاست ومقاطع الفيديو. وجد ان كل ثلاثة من كل أربعة مراهقين يسعون للحصول على معلومات عبر الإنترنت من اشخاص حقيقين مروا بما مروا به هؤلاء من قبل.

 

حملات التوعية على مواقع التواصل الاجتماعي:

وجدت دراسة بحثية عن فعالية حملة التوعية في مواقع التواصل اجتماعي لمكافحة الوصمة في كاليفورنيا. وجدت أن الحملة زادت من استخدام الخدمة المساعدة النفسية بشكل أفضل وزيادة الوعي بأن المساعدة متاحة وموجودة.

 

التغيير المنهجي:

 لا يزال التمييز حقيقة يومية للأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية والصحية. هناك ارتباط كبير بين وصمة وعدم المساواة. لمعالجة وصمة العار حقًا، يجب معالجة حقوق وكرامة الأشخاص بشكل هادف في التعليم والإسكان ومكان العمل والرعاية الصحية، بما في ذلك زيادة الوصول إلى العلاج.

البحث والتمويل:

 لفهم الصحة النفسية بشكل أفضل، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لزيادة معرفتنا بهذه الحالات وتحسين فعالية تدخلاتنا، بالإضافة إلى التمويل لجعل العلاج أكثر سهولة.

محو الأمية الصحية العقلية:

 إن مجرد "الوعي" بالصحة النفسية لا يكفي لمعالجة الوصمة. يجب تمكين الناس لتولي المسؤولية عن صحتهم النفسية، مثل معرفة مكان الحصول على المساعدة وكيفية الدفاع عن أنفسهم. 

زيادة الوعي:

 بالنسبة للكثير من الناس، لا يزال هناك غموض حول ماهية الرعاية الصحية النفسية أو شكلها، يمكن لممارسي الرعاية الصحية تقليل الخوف المحتمل من المجهول. بالنسبة للمجتمعات التي لديها تاريخ من عدم الثقة في نظام الرعاية الصحية ، فإن رؤية أخصائي رعاية صحية يشبههم وينتمي إلى نفس المجتمع يمكن أن يكون مفيدًا.

 

الوصمة والتميز في المملكة العربية السعودية:

المملكة العربية السعودية تحكم بشريعة الدين الاسلامي والمقوم للأخلاق والقيم. و ديننا الاسلامي اول من ابتدأ ذلك وجعله من اهم فضائله. قال تعالى:"وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (22) سورة الروم، ونفهم من الآية الكريمة أن الاختلاف ما بين بني البشر هي من سُنَن الخلق وحديث رسول الله (ﷺ):" ليس لعربي فضل على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلاّ بالتقوى". وقوله (ﷺ):"ليس منا من دعا إلى العصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" وفيما سبق ذكره من آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تأكيد على ضرورة عدم التمييز ما بين الأفراد على أساس العروبة أو اللون، بل على أساس التقوى والدين وهي عند الله فقط.

و ليس هذا وحسب بل ان بموجب قانون حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، أن أنظمة المملكة تجرم نشر الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وإثارة النعرات، والتفرقة، ومن ذلك ما نصت عليه المادة (39) من النظام الاساسي للحكم".