كيف سيساعد الذكاء الاصناعي على توفير الغذاء للجميع في المستقبل؟

تبني التكنولوجيا الحديثة في العلوم الزراعية وصناعة الغذاء يحتاج بالدرجة الأولى إلى خلق البيئة المناسبة لاستخدامها، وبدعم كبير، وباستثمارات ضخمة

كيف سيساعد الذكاء الاصناعي على توفير الغذاء للجميع في المستقبل؟
الذكاء الاصطناعي في الزراعة والبيئة


تتميز الزراعة اليوم بكفاءة عالية، وهي توفر الغذاء لعدد كبير من البشر، وذلك بشكل غير مسبوق في التاريخ. لكن لهذه الكفاءة جانب مظلم أيضاً. صحيح أنها قادرة على ملء المخازن، لكنها تستهلك أراضينا إلى أقصى الحدود. تنخفض خصوبة التربة والتنوع البيولوجي في مناطق كثيرة، وترتفع الأضرار التي تلحق بالبيئة جراء استخدام الأسمدة والمبيدات. فالاستخدام المكثف للمواد الكيميائية في الحقول يمكن مقارنته بتناول المضادات الحيوية. هذا ينتج عن أن الأضرار ستصل في مرحلة ما، إلى درجة غير قابلة للإصلاح. علاوة على ذلك يتسارع التغير المناخي لدرجة تعجز فيها محاصيلنا الزراعية على التأقلم كما شهدنا مؤخرآ نزوحآ لليد العاملة من المناطق الزراعية النائية إلى المدن المركزية، ورصد الخبراء عزوفآ للأجيال الصاعدة عن مهنة الزراعة، خاصة وأنها لازالت متأخرة عن مواكبة التطور التقني مقارنة ببقية الصناعات، ومن المتوقع أن ينمو سكان العالم بنحو مليارين إضافيين بحلول عام 2050م، ويقابل ذلك نموآ بحوالي 4% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة. هذه النسب غير المتكافئة تحمل في مضمونها عدة تحديات لذلك علينا من ناحية أن ندعم القطاع الزراعي في أنحاء العالم للحيلولة دون تفاقم التغير المناخي. ومن ناحية أخرى علينا زيادة المحاصيل بشكل ملحوظ، دون زيادة الضغط على الكوكب الأرضي. هل يكمن الحلّ فيما يُسمى الهندسة الوراثية الخضراء؟ أم أن علينا التعويل بشكل جذري على الزراعة الإيكولوجية لإنقاذ التربة؟ وهل بالإمكان الاعتماد على أسلوب الزراعة دون أرض في مزارع عمودية عملاقة؟ ما الذي يمكن أن يقدمه لنا الذكاء الاصطناعي للإجابة على هذا السؤال: كيف يمكن إطعام الجميع؟

تستطيع التقنيات الحديثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي دفع عجلة الابتكار لمجابهة تلك التحديات، ومساعدة قطاع الزراعة في إنتاج الكثير من المحاصيل في أراضٍ محدودة المساحة، وتزويد سلاسل الإمداد الغذائية بمحاصيل أكثر صحةً بأقل قدرٍ ممكنٍ من الهدر الغذائي، والمكافحة الاستباقية للآفات التي تشكل الهاجس الأول للمزارعين. وسيكون من المهم حصول المزارعين على التدريب الكافي لاستخدام التقنيات الحديثة لضمان الاستفادة منها واستثمار قيمتها على المدى الطويل، ولإثبات جدوى تلك التقنيات في قطاعٍ يغلب عليه اللايقين لتأثره بالعوامل البيئية التي لا يُمكن التحكم بها، مثل الاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية.

صورة بالأقمار الصناعية لمراقية صحة المحاصيل

تُدمج الآليات البسيطة نسبياً والتي تعمل على رصد العوامل المختلفة مع التقنيات الأكثر تعقيداً مثل خوارزميات تعلم الآلة والتعلم العميق، وتؤخذ بعين الاعتبار أيضاً مصادر المعلومات الخارجية مثل بيانات وكالات الطقس وبيانات السوق، وتتكامل هذه التقنيات مع بعضها لتحليل البيانات ومعالجتها واستخلاص التنبؤات ذات القيمة، كأن يعرف المُزارع وقت بذر البذور، ووقت السقي، والوقت الأمثل للحصاد، وكمية مقدار السماد المناسبة لمنطقةٍ محددةٍ، وماهية الآفات المتوقعة وكيفية حماية المحصول منها. عند التحدث عن الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلم الآلة، فهي أنواعٌ من الخوارزميات والنماذج الرياضية التي نتمكن من خلالها من التعامل مع البيانات ومحاكاة القدرات المعرفية البشرية لاتخاذ القرارات، وتُعدّ الشبكات العصبية والتعلم العميق الأكثر استخداماً في قطاع الزراعة والبيئة. ومن ضمنها خوارزمية آلة المتجهات الداعمة (SVM) وهي خوارزمية تُستخدم للتصنيف والتجميع بشكلٍ عام، وللتنبؤ بالمحاصيل وجودتها وإنتاج الماشية. كما يكثر استخدام خوارزمية التجميع بالمتوسطات، وهي نوع من الخوارزميات الوصفية غير الموجهة وأحد أشهر خوارزميات التجميع، تعمل على تقسيم البيانات بناءً على خصائصها إلى مجموعات ذات عدد معين (K)، بحيث تحتوي كل مجموعة على عناصر متشابهة. كما تُستخدم شبكات بايزي، وهي نوعٌ من النماذج الرسومية الاحتمالية التي تُستخدم لبناء نماذج من البيانات ورأي الخبراء، وتُستخدم لمجموعةٍ واسعةٍ من المهام مثلا لتنبؤ والكشف عن البيانات الشاذة، التنبؤ بالسلاسل الزمنية، واتخاذ القرار في ظل عدم اليقين.

شبكة بايزي

رغم هذا التطور التقني الكبير الذي حققته البشرية، لا يزال مستقبل الأمن الغذائي في العالم يمثل مصدر قلق كبيرا،وفي ظل هذه المشكلة الملحة طورت شركات ناشئة تعمل في مجال التكنولوجيا تقنيات ربما تساعد في توفير الحل، لنتخيل منظومة تمكننا من تقليص المساحة التي نحتاجها بنسبة 99 في المئة مما نحتاج إليه في الزراعة التقليدية، وتقلص أيضا استهلاك المياه بنسبة 95 في المئة،ويوفر حقل رأسي مساحته لا تتجاوز 2 فدان، كمية من الخضراوات والفاكهة تعادل إنتاج حوالي 720 فدانا من الأرض الزراعية، ويتم التحكم في ظروف المناخ والإضاءة والري بواسطة روبوتات تعمل تحت منظومة للذكاء الاصطناعي إلى أن تتواصل الزراعة في ظروف مثالية على مدار العام، فضلا عن إعادة تدوير الماء الناتج عن عملية التبخر الزراعي واستخدامه في الري مرة أخرى. كل ذلك سيخدم المجتمع والبيئة، فضلا عن فتح الأبواب أمام نوعية جديدة من فرص العمل في مجال “تطوير وصيانة الروبوتات وطائرات الدرونز وابتكار البرمجيات المختلفة”.  الممارسات الحالية التي لم تتغير كثيرا منذ ستينات القرن الماضي وصلت إلى طريق مسدود، وأصبحت صورتها قاتمة ولا تلائم أنماط الاستهلاك الحديثة التي تبحث عن صداقة البيئة.

الدول العربية يمكن أن تكون من أكبر المستفيدين من التكنولوجيا الحديثة، ولمعرفة السبب يجب أن نلقي نظرة على معوقات التنمية الزراعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هناك ثلاث معوقات رئيسة أدت إلى تراجع التنمية الزراعية في المنطقة، أولها نقص المياه. وثاني هذه العوامل تقلص الأراضي الصالحة للزراعة، لأسباب عديدة من بينها التصحر وارتفاع نسبة الملوحة والزحف العمراني. أما ثالث تلك العوامل فهو الهجرة من الريف نحو المدينة. وبالتالي نقص اليد العاملة.

هذه العوامل يمكن التغلب عليها بتوظيف التكنولوجيا الحديثة، التي ستقلص مساحة الأرض بنسبة كبيرة. وتقلل كمية المياه المستعملة، وتسمح بإعادة تدويرها. وبالطبع ستقلص الروبوتات من الحاجة لليد العاملة.

تبني التكنولوجيا الحديثة يحتاج بالدرجة الأولى إلى خلق البيئة المناسبة لاستخدامها، وبدعم كبير، وباستثمارات ضخمة.