إعادة ابتكار إدارة الأبحاث في المنظمات: من مراكز الأبحاث إلى مراكز إتخاذ القرار

لا يخفى علينا أن كثير من المنظمات استثمرت أموال ومبالغ طائلة في إنشاء مراكز بحثية لتكتشف في النهاية أن مخرجات هذه المراكز ليست قريبة لتكون جاهزة لمساعدة صانعي القرار وقد تبين الآن السبب! ما نحتاجه اليه حقاً في كل منظمة هو "مركز صنع القرار" لدمج جميع المدخلات في صورة واحدة كبيرة لتسهيل عملية اتخاذ القرار ليس فقط لكل منظمة انما لكل فرد يعمل فيها

إعادة ابتكار إدارة الأبحاث في المنظمات: من مراكز الأبحاث إلى مراكز إتخاذ القرار


قد لا يخفى على الكثير أن الخطط العلاجية تلعب دوراً مهماً في تحسن الحالة الصحية للمريض أو تدهورها. نجاح هذه الخطط يعود بشكل كبير على مدى إلتزام المريض بالخطة العلاجية التي اقرها الطبيب المعالج ومدى قابلية ووعي المريض لتنفيذها.  لذلك نرى أن النهج الذي يركز على تجربة واحتياج المريض هو من أفضل الطرق العلاجية التي تُمكّن أنظمة الرعاية الصحية من إنشاء علاقة وطيدة ليس فقط بين الممارسين الصحيين والمرضى بل وحتى مع عائلاتهم وذلك لمواءمة القرارات والخطط العلاجية مع رغبات المرضى واحتياجاتهم و زيادة وعيهم بالخطة العلاجية ومراحلها و عواقب عدم الالتزام بها والذي يشمل بحد كبير تقديم الدعم المعنوي والتعليمي للمريض لضمان إتخاذه أفضل الحلول العلاجية واستمراره عليها بما يتماشى مع رغباته وقدراته بالدرجة الاولى وليس على ما يراه الممارس الصحي فقط.  

عندما يتعلق الأمر باحتياجات المرضى ورغباتهم، فإن السؤال الذي يتبادل الى ذهننا هو كيف يمكننا تحديد هذه الاحتياجات وترتيب أولوياتها؟

يعد تحديد احتياجات المريض - أو المستهلك أو العميل أو المستفيد - بشكل أشمل وترتيب أولوياته من بين أصعب عمليات إتخاذ القرار التي يمكن لأي منظمة أو جهة أن تتخذها أو تحددها.  في الماضي، كنا نستعين بالعديد من المنهجيات والطرق المستوردة من دول العالم المتقدم مثل امريكا، اوروبا واستراليا والمطبقة على شعوبهم أو عبر أخذ رأي الخبراء أو تشكيل لجان تضم خبراء ومستشارين. أو قد نقوم بالتعاقد مع الشركات الاستشارية الكبرى لتحديد أولويات واحتياجات المرضى أو المستهلكين بشكل عام من الخدمات التي نقدمها والخطط والسياسات التي نطورها. كما بدأنا في الماضي القريب باستخدام نتائج الابحاث العلمية من قبل الأكاديميين والباحثين بغرض تطوير السياسات والنماذج والنظريات لتطوير رحلة المريض - أو المستهلك أو العميل أو المستفيد. ولكن لكي نحقق نجاح وتقدم ملحوظ في هذا المجال يجب أن نتوسع في بحثنا عن الأفضل إلى خارج نطاق أو قطاع الرعاية الصحية والخروج من الصندوق أو الإطار الحالي والسعي للاستفادة من الخبرات والمعارف في هذا المجال من القطاعات التي سبقت القطاع الصحي وأسست منهجيات متقدمة واكتسبت معارف عميقة.

ولكي نتقدم ونستطيع أن نبني جسور الوصل بين الممارسين الصحيين والمريض بشكل فعال، لابد أن نتعلم ونبني خططنا عن طريق الاستفادة من المنظمات التي تركز على المستهلك- في أي مجال كانت وليست حصراً على القطاع الصحي. فعلى سبيل المثال، يمكننا الاستفادة من علم الاقتصاد السلوكي للمجتمع والذي تطور بشكل كبير مؤخرا مما يمكننا من توفير الكثير من الوقت والجهد وعدم إعادة اختراع العجلة مرة أخرى.

في هذا المقال سوف نقوم بالتركيز على مجالين مهمين لسرد الأفكار التي نستخدمها في عملية اتخاذ القرار والتي لا تساعدنا في تحديد أولوياتنا البحثية فقط بل وفي أي قرار من قراراتنا اليومية الاخرى التي  نحتاج إلى اتخاذها. كما يمكن أن تساعد هذه الخطوات في تحسين عملية اتخاذ القرار بشكل عام وتعظيم الاستفادة من الأبحاث المستقبلية لإعطائنا نتائج أكثر موثوقية علمياً وأكثر واقعيه تساعدنا في عملية اتخاذ وصنع القرار.

النقطة الأولى: ما أهمية وجود نموذج لاتخاذ القرار في المنظمة التي نعمل بها؟

اتخاذ القرار هو مجال واسع يتكون من أدوات ونظريات وممارسات مستخدمة لغرض دعم وفهم عملية اتخاذ القرار. كما هو موضح في هذا الرسم البياني الذي قامت "IDM.sa" بإعداده، هناك العديد من الترابطات والتقاطعات بين التخصصات في عملية اتخاذ وصناعه القرار القائمة على الأدلة العلمية.

وبناء على ذلك لا يمكن استخدام البحث العلمي بمفرده كدليل ومدخل وحيد في عملية اتخاذ القرار المبني على البراهين. ولهذا السبب قمنا بتفعيل مفهوم "الابحاث التشغيلية" بدلاً من البحث العلمي بشكل عام أو البحث الأكاديمي للسبب التالي. عندما نتحدث عن البحوث والدراسات فأنه أول ما يتبادر إلى أذهاننا أنها "الأكاديمية" والتي تركز بشكل كبير على توسيع المعرفة ببطئ وتعتمد بشكل أساسي على اهتمامات الباحث الرئيسي وليس على "الحاجة" الفعلية للبحث أو مشكلة تشغيلية. اما فيما يتعلق بالبحوث التشغيلية فهي أكبر "موضوعية" من البحوث الأكاديمية - التي سبق ذكرها- و التي تغذي الإجابة فيها عملية اتخاذ وصنع القرار.  وبالتالي، فإن الحاجة إلى اتخاذ قرارات مبنية على البراهين هي سبب أهمية البحوث التشغيلية. وهنا تكمن أهمية وجود نموذج لإتخاذ القرار في المنظمة حيث سيساعد كل فرد في المنظمة عند استخدامه على التنبؤ بالقرار الصحيح في حال وجود سياسة جديدة يراد تطبيقها او تطبيق نظام جديد في المنظمة او حل اي مشكلة كانت.

ولتلخيص النقطة الأولى يمكننا القول انه إذا تم استخدام البحوث التشغليه كأحد المدخلات في نموذج اتخاذ وصنع القرار القائم على الأدلة الخاص بالمنظمة او بالمشكلة المراد حلها وبالنظر الى كافة المدخلات الأخرى وعدم اهمالها، فإن هذا سيجعل القرار المتخذ أكثر واقعية وقابلاً للتطبيق في الواقع وليس مجرد نموذج مثالي مستحيل التنفيذ.

 

النقطة الثانية: العلم والخبرات المكتسبة على المدى الطويل في مجال قطاع الأعمال وفهمنا للاقتصاد السلوكي يمكن أن يساعدنا في رسم حدودنا وتحديد الاتجاهات التي نحتاج إلى اتخاذها في عملية صناعة واتخاذ القرار.

اثبت لنا "علم الاقتصاد السلوكي" أن سؤال المريض - المستهلك، العميل، أو المستفيد - بشكل مباشر عما يريد رؤيته في منتج ما أو رأيه في خدمة معينة يعد من اسوء الطرق والمنهجيات المتبعة في "أبحاث السوق" أو "أبحاث تجربة المستفيد" أو "تجربة المريض" على نجاح المنتج أو الخدمة النهائية، ومع ذلك، ما زلنا نرى كثير من هذه الممارسات في الأبحاث في المجالات الصحية ومجلات تجربة العميل أو المستفيد أو المريض والتي تعطينا نتائج خاطئة تقودنا لا محالة نحو الاتجاه الخاطئ. وعلى العكس من ذلك، يجب أن نولي جل تركيزنا وأولوياتنا على القيمة الحقيقية. من واقع تجربتنا وتجربة المنظمات الناجحة الأخرى في هذا المجال أن القيمة لا يتم ابتكارها أو تطويرها، بل يتم اكتشافها. لذلك لا يمكن اكتشاف القيمة الحقيقة من القرار الذي نصنعه إلا من قبل أولئك الذين يقومون بعدد من التجارب والتي قد تفشل في كثير من الاحيان، لكن في كل مرة فشل يقومون بالبحث عن أسباب الفشل ومحاولة تفاديها أو الاستفادة منها بأكبر قد ممكن وبذل المزيد من الجهد والوقت ومن ثم المحاولة مرة اخرى بشكل أسرع وأكثر ثقة. علينا أن نؤمن أن الأبحاث المصممة على الحاجة الواقعية والتي تتسم بتصميم منهجي وواقعي هي بالأساس أفضل في النتائج من تلك الصادرة من الابحاث الضخمة المثالية. لذلك يمكننا اكتشاف أفضل القيم لإضافتها إلى مرضانا وعملاؤنا وتحديد أولوياتهم بناءً على التأثير الذي نريده وكمية المعرفة التي توصلنا اليها مع اهمية الالتزام بالتطبيق العملي وبأقل قدر ممكن من اي عبئ مالي يتحمله المريض - المستهلك، العميل، او المستفيد.

أخيرًا، من أجل تحقيق ذلك وجدنا أن البحث العلمي ليس من بين أفضل العوامل المساهمة في الحصول على نتائج مثالية ولكن المنهجية العلمية، البيانات الموثوقة، التطبيق العملي الصحيح، إدارة المعرفة وأدواتها، والأهم من ذلك أن نموذج صنع القرار المناسب هي اهم العناصر لتوليد أفضل النتائج والتي تلبي احتياجات المرضى - المستهلكين، العملاء، او المستفيدين بطريقة متسقة ومحكومة جيدًا.

 نعتقد أن علم وأدوات صنع القرار هي المستقبل خصوصا في المملكة العربية السعودية وسيكون من الصعب جدًا على أي منظمة البقاء بدونها. لذلك لا يخفى علينا أن كثير من المنظمات استثمرت أموال ومبالغ طائلة في إنشاء مراكز بحثية لتكتشف في النهاية أن مخرجات هذه المراكز ليست قريبة لتكون جاهزة لمساعدة صانعي القرار وقد تبين الآن السبب! ما نحتاجه اليه حقاً في كل منظمة هو "مركز صنع القرار" لدمج جميع المدخلات في صورة واحدة كبيرة لتسهيل عملية اتخاذ القرار ليس فقط لكل منظمة انما لكل فرد يعمل فيها.